خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، كان متسول يسير ذهاباً وإياباً في بعض شوارع بيروت، بملابسه الرثة، ووجهه ويديه كريه الرائحة، وحافي القدمين، وشعر أشعث ولحية، وكان أخرس )، هو ليس هذا (المتسول البكم). باستثناء معطف أسود طويل، متسخ، ممزق يرتديه في الصيف والشتاء.
كان بعض الطيبين في بيروت يصدّقون على ذلك (المتسول الاخرس) ويعاملونه معاملة حسنة، وكان في الغالب عفيفًا جدًا، فإذا قدم له أحدهم رغيفًا يأخذه، إذا قدم له أحدهم كوبًا من الخبز. سيقبل الشاي، ويعطيه أحدهم كوبًا من الشاي، فهو يقبل. أعطه نقوداً، لا يقبلها، أحدهم يعرض عليه السجائر، فهو يقبل، إذا أعطاها علبة (20 Cigarra) لم يأخذها ؛ كان دائمًا مبتسمًا ومتألقًا ولطيفًا وودودًا للصغار والكبار.
لا يعرف باسم آخر إلا: الأخرس.
الحرب الأهلية الطاحنة ما زالت مستمرة، وهناك حديث عن الغزو وأخبار الناس وأوضاعهم.
يدخل الجيش الإسرائيلي بيروت، ويسلك طريقه المنفصل، وفي تقدمه البطيء يواجه مقاومة شرسة من شعب شجاع يعيش في عالم آخر.
وبما أن الحرب شبيهة بيوم عيد الفصح {كلٌّ منهم لديه شيء واحد ليثري في ذلك اليوم} لم يساعد ذلك في تذكير بعض الناس (للمتسول الغبي) بمخاطر وصول الجيش الإسرائيلي إلى تلك الشوارع.
مع اشتداد الحرب ووصول طليعة الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، يئس الناس من هذا "المتسول الغبي" واضطروا إلى إطلاق سراحه، ووقف البعض عند زوايا الطرق والمباني عند الباب ليروا مصيره.
اقترب جيش الاحتلال من السيارة (المتسول الغبي) من مركبة عسكرية مصفحة تابعة لبعثة خاصة، ونزل منها ثلاثة ضباط، أحدهم برتبة مقدم، واثنان برتبة نقيب، مع خمسة جنود، وخلفهم كانوا متواجدين. عدة مركبات ثقيلة مليئة بالجنود.
حملت مجموعة الأشخاص بالقرب من المتسول الغبي بندقية محملة بأصابعهم على الزناد، وبدوا حذرين للغاية.
كان الجو مروعا ومليئا بالرعب، والجثث في كل مكان، والقتل في كل مكان، ورائحة الدم، ودخان البارود في كل مكان.
كلهم يتقدمون من (المتسول الغبي)، بينما هو مستلقي على الأرض، غير مبال بكل ما يدور حوله، كما لو كان يستمع إلى سيمفونية بيتهوفن (المصير يطرق).
ولما كانا على بعد خطوتين منه، انتصب، ورفع رأسه، وسلم على الموت بفرح. رفع المقدم الإسرائيلي يده فوق رأسه، حيا المتسول الأخرق، وقال بالعبرية:
بالنيابة عن جيش الدفاع الإسرائيلي، أحييك أيها العقيد على تفانيك في خدمة إسرائيل، لولاك لما دخلنا بيروت!
رد المتسول الغبي بهدوء، وابتسامة سعيدة على وجهه، وقال مازحًا باللغة العبرية: "لقد تأخرت قليلاً"، نهضت المركبة العسكرية المدرعة، وبدأت السيارة المدرعة، وتبعتها ثلاث عربات مرافقة. كل أنواع الصدمات والمفاجأة، وتركت أكوام من الأسئلة. بعض المثقفين الفلسطينيين المتمرسين كان العبرانيون قريبين جدًا من ذلك المكان، وكانوا يستمعون إلى المحادثة، وقاموا بترجمتها، لكنهم لم يتمكنوا من ترجمة الوجوه المروعة للناس في حي بيروت حيث يعيش
الجواسيس الإسرائيليون المتسولون الأغبياء
ء.
Yorumlar
Yorum Gönder