القائمة الرئيسية

الصفحات

من أنواع الجهاد في سبيل الله - الإسلام :

 من أنواع الجهاد في سبيل الله  -  الإسلام : 


- جهاد أصحاب الظلم والبدع والمنكرات:


ويكون باليد إذا قدر، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب، ويكون بالحكمة حسب الحال والمصلحة حتى لا تحصل فتنة.

1- قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [125]} [النحل: 125].


2- وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم.

 


منقول : 


أهداف الجهاد


أهداف الدرس: 

- بيان ملاك تشريع الجهاد وفلسفته.

- بيان وتوضيح منطلقات الصراع بين الحق والباطل.

- بيان أهم الأهداف الفردية والاجتماعية للجهاد.


فلسفة تشريع الجهاد: 


من الأسئلة التي تخطر في ذهن من يطّلعُ على حكم الجهاد في الإسلام، ومن أكثرها أهمّيّة، هي تلك التي تدور حول فلسفته: ما هو الهدف من تشريع حكم الجهاد؟ وهل يسعى الإسلام وراء فتح البلدان والسيطرة عليها؟ وهل الهدف الحقيقي هو جمع الغنائم؟ وهل الأهداف المادية هي التي تدفع بالمسلمين نحو الجهاد؟...


والصواب أنّ أيّاً من الأمور المذكورة آنفاً لم تكن من أهداف الجهاد أصلاً. فالجهاد في الإسلام ليس مشابهاً لحروب طواغيت التاريخ وحملاتهم العسكرية، بل إنّ ما دفع لتشريع هذا الحكم في الحقيقة هو أمر فطريٌّ مغروسٌ ومتجذِّرٌ في نفوس جميع الموجودات, إنّه حقُّ الدفاع. فكلّ موجودٍ حيٍّ، سواء كان إنساناً أم غير إنسان، يرى في الدِّفاع عن نفسه مقابل العدو حقاً طبيعياً له، وخالق العالم قد أودع في جميع الموجودات وسائل استيفاء هذا الحقّ.


وإنّ الحقّ الفطري للدفاع عن النفس هو حقّ يتوسّل به حتى المتسلّطون والظَّالمون - ولو بغير حقّ - للدِّفاع عن نتائج أعمالهم وإنجازاتهم. وعليه، ليس هناك من شكٍّ ولا شُبهةٍ بشأن أصل الاستفادة من هذا الحقّ، وقد متَّنه الإسلامُ من خلال تشريعه لحكم الجهاد.


الصراع بين الحق والباطل: 


في الواقع ليس من الممكن إلغاء شيءٍ اسمه صراع من على 

وجه هذه الأرض، طالما أن هنالك "حق" و"باطل" فالصراع قائم بين الحق والباطل منذ بدء الخليقة وهو موجود ومستمر، والحياة قائمة على معادلة الصراع كما يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمينَ﴾1. 


فطبيعة الحياة إذاً قائمة على مبدأ الصراع، فالحيوانات مثلاً في حالة صراعٍ دائمٍ فيما بينها، ولهذا السبب هي مجهّزة بوسائل الهجوم والدفاع الطبيعية، مثل الأنياب، والمخالب، والقوة البدنية. أما الإنسان فيختلف في معركته عن الحيوان، فإذا كان الأخير يدخل الصراع دخولاً عشوائياً وبلا هدف، فإن الإنسان إنما يخوض الصراع من أجل هدف وخطة مرسومة. وبالطبع قد تختلف الأهداف عند هذا الإنسان وذاك، وقد يكون بعضها نبيلاً والبعض الآخر سيئاً وقبيحاً.


فالبعض يدخل الحرب من أجل نشر رسالات الله، والدفاع عن المستضعفين والمحرومين، ومن أجل إقامة العدل والحرية. والبعض الآخر قد يشعل نار الحرب ويهلك الحرث والنسل من أجل المصالح الدنيوية كحب السيطرة والتملّك، والوصول إلى دفّة الحكم. أي أن هنالك صراع حقٍّ وصراع باطل، وهناك معركة بين الحق والباطل. 


إن الصراع الحق -بحسب مفهوم الدين الإسلامي - هو من أجل إنهاء كل الصراعات الزائفة والباطلة التي تهدف إلى سلب حقوق الإنسان، وبالتالي هو دفاع عن الإنسان والإنسانية، وهو يهدف إلى تحقيق السلام والعدل والمساواة والحرية والرفاه الشامل، بما فيه مصلحة الإنسان فرداً وجماعة في الدنيا والآخرة. ومن هنا كان الجهاد في الشريعة الإسلامية فريضة واجبة مقدسة، بل و من أوجب الواجبات والفرائض حتى صار ذروة الإسلام كما في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه وذروة سنامه قلت بلى جعلت فداك قال أمّا أصله فالصّلاة وفرعه الزّكاة وذروة سنامه الجهاد"2. وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يُقتلَ الرّجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ"3.


أهداف الجهاد في سبيل الله: 


إن معرفة الأهداف الواقعية للجهاد ووضعها نصب أعيننا من الأمور الهامّة والضرورية لنجاح أيّ عمل جهادي، فالعمل الذي لا يملك هدفاً إلهيّاً واضحاً ومشخّصاً هو عمل عبثيٌّ في أغلب الأحيان، واحتمالات الفشل فيه أكثر بكثير من فرص النجاح، ناهيك عن أنه لو سجّل نجاحاً مرحلياً فهو بعيد عن مشروع العدالة ومصلحة الإنسانية قال الله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾4. فلمعرفة الهدف من أيّ عمل أو تكليف دور أساسيّ في تحقيق النتائج المرجوّة، وبالتالي تفادي حصول التعدّي ووقوع الإهمال أو التداخل في الوظائف والمهمّات والتي لن تعود بالفائدة في نهاية المطاف على أحدٍ بل الجميع سيكون خاسراً! 


وللجهاد في سبيل الله نوعان من الأهداف، فهناك أهداف على المستوى الفردي وأخرى على المستوى الاجتماعي.


الأهداف الشخصية والفردية للجهاد: 


قد تتعدّد الأهداف الشخصية للجهاد وتختلف من شخصٍ إلى آخر، فأبواب طاعة الله تعالى كثيرة، ولكن يمكن أن نختصر هذه الأهداف الفردية بثلاثة أهداف أساسية، وكل الأهداف الأخرى في الحقيقة ترجع إليها وهي: 

1- الدفاع عن النفس: 

من حق كلّ نفس بشرية أن تدافع عن كل ما كان المساس به مهدداً لوجودها، وعن المال والعرض والأرض والكرامة والوطن. فقد ورد في كتاب الله تعالى قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾5. ولهذا جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات دون عقال من ماله مات شهيداً"6. وقد أفتى فقهاء المسلمين جميعاً بوجوب الدفاع عن النفس، فلا إشكال في أنه من حقّ الإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، حتى لو أدّى ذلك إلى قتل المهاجم7.


2- نيل رضى الله تعالى: 

وهو الهدف الأسمى والأساسي الذي تتمحور حوله كلّ حركة يقوم بها الإنسان المؤمن أو سكون يلتزم به. وإذا غدا الجهاد طريقاً لتحقيق رضى الله تعالى، وباباً للتقرّب منه، فأيّ نعمة وأيّ توفيق لمن أتيح له الدخول إلى هذا الميدان الذي عبّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة"8.


3- الفوز بمقام الشهادة: 


إن الشهادة كانت أمنية الصلحاء والجائزة التي يرغب بها كل مجاهد بعد طول عناء وجهاد في سبيل الله تعالى.

بل نجد الأئمة المعصومين ‏عليهم السلام ينتظرون لحظة الشهادة ويعتبرونها كرامة من الله تعالى، فهذا الإمام زين العابدين عليه السلام يقول مخاطباً ابن زياد: "أبالقتل تهدّدني يا ابن زياد؟! أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة"9. هذا هو النهج الإسلامي الصحيح الذي يؤكّد على حب الشهادة،


فكما أن النصر والظفر هي أمنيته فكذلك الشهادة هي أمنية له. يقول تعالى في كتابه الحكيم: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾10. إنها حقاً لكرامة ليس دونها كرامة أن تُختم حياة الإنسان بالشهادة في سبيل الله!


الأهداف الدينية والاجتماعية للجهاد: ‏


إنّ أهداف الجهاد لا تقف عند الأفراد أو عند أعتاب الحالة الفردية، بل للجهاد دوره الاجتماعي وآثاره العامة التي تطال المجتمع والبيئة العامّة. ويمكن اختصار مصالح المجتمع ضمن الأهداف التالية: 


1- حفظ الدين وحمايته:

كتب الإمام الباقر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أميّة يحدّثهم عن ذلك فقال: "...ومن ذلك ما ضَيَّع الجهاد الذي فضَّلهُ الله عزّ وجلّ على الأعمال وفضّل عَامِلَهُ على العُمَّال تفضيلاً في الدّرجات والمغفرة والرّحمة، لأنّهُ ظهر به الدّين، وبه يُدفَع عن الدّين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بَيْعاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً اشترط عليهم فيه حِفْظَ الحدود"11.


فحماية الدين وحفظ حدوده الشرعية من أن تُعطّل أحكامه، والحفاظ على منهج الإسلام وعلى حدود الأمّة الإسلامية وحماية استقلالها وحماية الإنسان من تلاعب الظالمين، كلّها أمور تدعونا إلى الجهاد، الذي هو طريق لصلاح الدين والدنيا على حدٍّ سواء، لا كما يُظنّ بأنه على خلاف صلاح الدنيا وإعمارها، كما قال الإمام علي عليه السلام: "إن الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره والله ما صلح الدنيا ولا دين إلا به"12. 


لذا أكّدت الروايات على هذا المنطلق والهدف الأساسي للجهاد كما ذكر أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في قوله: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنَرِدَ المَعَالِم من دينك، ونُظهِر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المُعَطَّلَةُ من حدودك"13.


2- إحقاق الحقّ: 


من الأهداف المهمّة والأساسية لتشريع الجهاد كونه الوسيلة الأنجع لذلك، إحقاق الحق وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، وإبطال الباطل وجعل كلمته هي السفلى بعد اليأس من الوسائل السلميّة الأخرى، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الحْقَّ ويُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾14.


يبيّن الله تعالى في هذه الآية نعمه ومننه على عباده، فهو وعد المسلمين بإحدى الطائفتين إما "العير" والسيطرة على القافلة التجارية لقريش، أو "النفير" ومواجهة جيش قريش، والأولى كان يتمنّاها المسلمون وقد اختار لهم الله سبحانه المواجهة العسكرية مع قريش وهي "الشوكة" والتي هي تعبير يرمز إلى الحدّة والشدّة، وأصلها مأخوذ من الشوك، واستعملت هذه الكلمة أيضاً في نصول الرماح، ثمّ استعملت توسّعاً في كلّ نوع من الأسلحة، لما تمثّله هذه الأسلحة من القوّة والقدرة والشدّة.


إن الثمرة العملية من الحرب التي يخوضها المؤمنون في سبيل الله تعالى تظهر بعد أن تضع تلك الحرب أوزارها، إذ يرى المراقب أنَّ الخير والصلاح كان يكمن في تحطيم قوّة العدوّ العسكرية لتصبح الطريق أسهل أمام انتصارات كبرى في المستقبل.


3- القضاء على الشرك: 

من أهداف تشريع الحق تعالى للجهاد أيضاً، أنه يريد أن يكون المعبود الأوحد في كل أرجاء الأرض، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتىَ‏ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾15، إنّ المراد بالفتنة هنا الشرك بالله. وكفّار قريش كانوا يقبضون على المؤمنين بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبرسالته ويعذّبونهم ويجبرونهم على ترك الإسلام والرجوع إلى الكفر، فعُرف عملهم هذا بالفتنة، وعندها أُمر المسلمون بقتالهم حتى يطهّروا الأرض من عبادة غير الحق، ويكون الإيمان بالله الواحد الأحد هو الحاكم دون غيره. 


إنّ الناس في جميع المجتمعات البشريّة لهم الحقّ في أن يسمعوا مقالة الحقّ لأنهم أحرار في قبول دعوة الأنبياء، ولو تصدّى فرد أو جماعة لسلب هذا الحقّ المشروع منهم أو منع صوت الحقّ من الوصول إلى الناس ليتحرّروا من قيود الأسر والعبوديّة الفكريّة والاجتماعيّة، لاعتبر هذا العمل عدوانياً بنظر كل عقلاء العالم فضلاً عن شريعة الأديان، وكان للمعتدى عليه حق الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة لتهيئة هذه الحريّة، ولو كان ذلك عبر استخدام القوّة المشروعة كالجهاد والقتال العسكريين.


4- إزالة الظلم والعدوان: 

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾16.


إنَّ المؤمن المجاهد أبعد ما يكون عن الأنانية والعيش ضمن دائرة الهموم الشخصيّة الخاصّة الضيّقة بل إنَّه إنسان رساليّ يحمل همّ الإنسانية كلها، ويستشعر أكثر من غيره معاني ومفردات الظلم وتأثيره الهدام على الفرد والمجتمع، ولذا تراه يبادر ومن دون أدنى خوفٍ أو وجلٍ أو تردّدٍ إلى قلع جذور الفساد والظلم. وأما جهاده فإنَّه لا يعرف الحدود الجغرافية ولا القوميّات ولا التكتلات العرقية، بل هو يحمل همَّ نصرة المظلوم وتحقيق العدل، وكما ترى أن الآية المباركة تحثّ المؤمنين على نصرة المستضعفين ومواجهة الظلم والعدوان كجزءٍ من مفهوم الحركة الاجتماعية الناهضة.


5- إعلاء ذكر الله: 


من الأهداف الأساسيّة لتشريع القتال في سبيل الله، إعلاء ذكر الحق كما يقول عزّ اسمه في كتابه المجيد: ﴿وَلَوْ لَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لهَّدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيز﴾17.


تشريع القتال إنّما هو لحفظ المجتمع من شرّ أعداء الدين الذين يسعون إلى إطفاء نور الله وذكره. ولولا ذلك لهُدّمت المعابد الدينية والمشاعر الإلهية ونسخت العبادات والمناسك، لأن اللّه تعالى لو لم يدفع بعض الناس ببعضهم عن طريق الإذن بالجهاد، لهدّمت أماكن العبادة والمساجد التي يذكر فيها اسم اللّه. ولو تكاسل المؤمنون وغضّوا الطرف عن فساد الطواغيت والمستكبرين ومنحوهم الطاعة، لما أبقى هؤلاء أثراً لمراكز عبادة اللّه. إذ أنّهم سيجدون الساحة خالية من العوائق فيعملون على تخريب المعابد، لأنّها تبثّ الوعي في الناس، وتعبّؤهم في مجابهة الظلم والكفر والانحراف. وإنّ كلّ دعوةٍ لعبادة اللّه وتوحيده تعارضها دعوة المتجبّرين الذين يريدون أن يعبدهم الناس من دون الله تعالى تشبُّهاً منهم بالحق تعالى، والذين يعملون على هدم أماكن توحيد اللّه وعبادته.


إنّ الصراع قائم وباستمرار بين الدعوتين، وطبيعيّ أن يقوم المؤمنون بصدّ الدعوة المقابلة والوقوف في وجهها، طبقاً لتعاليم الإسلام العزيز الذي شرَّع الجهاد بهذا الغرض والذي يتمحور حول إعلاء ذكر الله وعلى كلّ المستويات.


6- كفّ بأس الكفار: 


من أهداف الجهاد في سبيل الله أيضاً ردّ كيد الكفّار إلى نحورهم وكفّ بأسهم، حيث يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿فَقَاتِلْ فىِ سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُْؤْمِنِينَ عَسىَ اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا﴾18.


بعد أن أمر الله تعالى نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمواجهة أعدائه وجهادهم، رغم قلّة الناصر، بيّن له أحد الأهداف الأساسية لهذا التكليف المقدّس، ألا وهو الجهاد في سبيل الله والذي هو الطريق لكسر شوكة الظالمين وقوّتهم، وكفّ أذاهم وشدّتهم وبأسهم عن المؤمنين الموحّدين. كما أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالالتزام بهذا التكليف ولو كان وحيداً فريداً، معتمداً على الله تعالى مصدر كلّ قدرة وقوّة في هذا العالم، إذ هو عزَّ اسمه أقوى من كلِّ ما يدبِّرُهُ الأعداء من مكائد ودسائس بوجه دعوة الحق. 


7- الاستقلال والحرية: 

الاستقلال والحرية لهما الأهمية الكبرى في الحياة الاجتماعية الناجحة، بل يشكّلان الدافع نحو الإبداع والتطوّر في كل الميادين، ولذلك عملت القوى المستعمرة على حرمان الشعوب منها كي يسهل لها السيطرة والتسلّط على البلاد والعباد. إن كل حضارة وكل مجتمع يحتاج إلى عناصر القوة كي تبقى لديه حالة الاستقلال والحرية، وأهم عناصر القوّة هي القوات المسلّحة المقتدرة، التي تمنع طمع الطامعين وتضمن عدم تقديمهم وتجاوزهم.


ومع غياب مثل هذه القوّة سيكون من غير الممكن المحافظة على الاستقلال والحرية. ومجرّد وجود طاقات علمية واقتصادية عالية لا يعتبر لوحده ضماناً لاستقلال الدول والشعوب، بل القوات المسلحة وحضورها الدائم وقيامها بواجباتها في الميادين اللازمة هي التي تضمن الاستقلال والحرية وتضمن بقاء وتفعيل الطاقات العلمية والاقتصادية. وعليه، فالحركة الجهادية من جملة أهدافها تحقيق وحماية الاستقلال والحرية.


8- استنهاض الشعوب: 


عندما تعيش المجتمعات نوعاً من الإحباط واليأس والاسترخاء والتراجع عن مواجهة الأعداء، فإن العدو سيتمكن من السيطرة على مقدّراتها وسيفرض هيمنته وتسلّطه عليها وستكون ذليلة أمامه مهما كانت تمتلك من طاقات ومن نقاط قوة في مواجهته، لذلك وقبل كل شي‏ءٍ لا بدّ من تأمين إرادة المواجهة والحضور في الميادين اللازمة. واستئصال حالة الإحباط والتحييد والاسترخاء. وهذا لا يتأتّى إلا من خلال تقديم القدوة المجاهدة بشكلها المشرق والصحيح، لتستثير كوامن الجهاد في ضمير الأمّة وتعيدها إلى ساحة الحضور. إذاً لا بد من إثبات القدرة الجهادية والإمساك بزمام المبادرة لتعود الأمة إلى الثقة بنفسها، وهذا ما يعبّر عنه بالعمل الجهادي لاستنهاض الشعوب.


المفاهيم الرئيسية


1- الهدف من تشريع الجهاد هو الحفاظ على النفس والدين، ويسمى بحقّ الدفاع.

2- إن الصراع في المفهوم الديني هو الصراع لإرساء الحق الذي يريد تحقيق حكم الله على الأرض وما سواه صراع زائف وباطل. 


3- من أهداف الجهاد الأساسية حماية الدين وحفظ حدوده الشرعية، خوفاً من أن تُعطّل أحكامه، والحفاظ على منهج الإسلام وعلى حدود الأمّة الإسلامية وحماية استقلالها وحماية الإنسان من ظلم الظالمين.


4- الجهاد هو طريق لصلاح الدين والدنيا على حدٍّ سواء، إذ قد يظنّ البعض أنه على خلاف صلاح الدنيا وإعمارها، قال الإمام علي عليه السلام: "إن الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره والله ما صلح الدنيا ولا دين إلا به". 


5- إنَّ للجهاد أهدافاً منها الشخصية التي تتعلَّق بذات الإنسان وما يطمح إليه من أهدافٍ خاصّة هي نتيجة خصوصيّة شخصيته الفكرية والمعنوية. ومن هذه الأهداف الشخصية: الدفاع عن النفس، الفوز بمقام الشهادة.


6- للجهاد أهداف اجتماعية هي بمجموعها تحافظ على الصالح العام للمسلمين في الدنيا والآخرة. ومن هذه الأهداف الدينية والاجتماعية: إحقاق الحقّ، القضاء على الشرك، إزالة الظلم والعدوان، إعلاء ذكر الله تعالى، كفّ بأس الكفار، الاستقلال والحرية، استنهاض الشعوب.


منقول  : 


وفي ذات السياق  شرح  الاستاذ  :


أ.محمد بدر الدين الحوثي

 مفهوم الجهاد في سبيل الله:


الجهاد دائرة واسعة تشمل كل المجالات التي تعد نصرا لدين الله, بالنفس والمال والكلمة والموقف...الخ. وبهذا نجد الكثير من المجالات التي يستطيع الإنسان أن يساهم فيها ولو بمفرده , كما أن هناك مجالات أخرى لا بد أن تكون النظرة إليها والانطلاق فيها من منطلق جماعي كما سنوضحه لاحقا, وللسيد حسين بدر الدين الحوثي كلام واسع حول مفهوم الجهاد وشموليته وأهمية معرفة مجالاته.. يقول رضوان الله عليه:


((الإنسان المسلم المؤمن يكون أمام عينه {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} قد تكون قوة معنوية هي بيدك تؤثر جدًا على العدو يجب أن تستخدمها، حرب نفسية، هو يستخدم حربا نفسية هو، العدو الذي يمتلك أفتك الأسلحة يرى بأنه ليس مستغنيا بل مضطراً إلى أن يسلك الوسائل الأخرى في الحرب، الحرب الثقافية، الإعلامية، الحرب النفسية، أليس هذا شيئا واضحاً؟ فكيف أصبحنا لم نعد نفهم حتى الصراع ما هو، أصبحنا لم نعد نفهم الجهاد ما هو!. بالتأكيد المجاهدون ليس عندهم فكرة.. ـ لأن البعض يحاول يقدم تفسيراً لمعنى الجهاد أن الجهاد بالكلمة هو الجهاد وفقط, أو آخر يقول: الجهاد بالسيف هو الجهاد فقط ! ـ لا، الجهاد {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} هنا قدم كل قوة بما فيها القوة المعنوية {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ})).


 


ويضيف في فقرة أخرى: ((الجهاد معناه: بذل الجهد في كل المجالات لإقامة دين الله، لم يعد يعتبر الموقف من العدو نفسه إلا موضوعاً من مواضيع إقامة دين الله الذي يبدأ من داخل الناس أنفسهم هم، استقامتهم فيما بينهم، ألم نتحدث عن هذا سابقا؟ القضايا الأساسية لأمة تتحرك لأن تجاهد أن تقدم نفسها نموذجا فعلا في التعامل فيما بينهم، في صدقهم مع بعضهم بعض، في إخائهم، في تآلفهم، في قوتهم، في منطقهم، في حكمتهم. بمعنى: العمل لإقامة دين الله، هذا هو الجهاد في سبيله، يشمل الكلمة، ويشمل القلم، ويشمل أشياء كثيرة جداً، ويشمل السلاح بمختلف أنواعه، فالجهاد هو هذه القائمة الواسعة، تتحرك فيها لا تنظر إلى مجال دون مجال، لا تنظر إلى مجال الكلمة، وتنسى موضوع إعداد القوة، قوة السلاح؛ لأنك ستخسر، كلمتك تتبخر في الأخير، لا تركز فقط على موضوع إعداد السلاح دون أن تعرف القضايا الأخرى التي يجب أن تعدها، القضايا النفسية، والمعنوية، والتربوية، والثقافية.. إلى آخره، هذا هو الجهاد في سبيل الله، لا أن تقول: الجهاد كذا، أو الجهاد كذا)).


ويضيف حول الآية الكريمة:{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} ((لماذا لم يقل: يقاتلون هنا؟ نقول فعلاً: أن الآية تتحدث عن هذا الزمن؛ لأن القرآن هو للناس وللحياة كلها، الجهاد يعبر عن حالة الصراع، وسعة الصراع وميدانه أوسع من كلمة: {يقاتلون} أي سيتحرك في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، ويقتضي العمل بإيجابية أن يكون مؤثراً على العدو فيتحرك فيه، بذل الجهد، سواءً في موضوع ثقافي، اقتصادي، عسكري، سياسي، إعلامي، في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، حرب نفسية، والحرب النفسية من أبرز مظاهر الصراع في هذا الزمن، الحرب النفسية؛ ولهذا يقول: {يجاهدون في سبيل الله} يعني: يبذلون جهداً في كل المجالات، وفعلاً ترى بأنه الفئة السابقة: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} في خسارتهم تبرز أشياء هي سهلة جداً وهي جهاد فلا يعد يتوفق أن يصل إليها، شعار يرفعه، أو بضاعة أمريكية وإسرائيلية يقاطعها، لا يعملها، يشتري قمحاً أمريكياً وهناك قمح آخر أمامه! أليست هذه خسارة، يتوقف أن يرفع شعاراً في مسجده، لا يحتاج يخسر من أجله ولا ريالاً واحداً، أليست هذه تعتبر خسارة؟ منتظر أن معنى يجاهدون: يقاتلون [متى ما قاتلوا]!. [الدرس 22 من دروس رمضان]


 


التكليف الفردي في الإعداد وبذل المستطاع:


قد يظن الفرد أنه غير ملزم (شخصياً) بالعمل لإعلاء كلمة الله لكونه فردا لا يقدر أن يقدم شيئا بمفرده, دون أن يفكر في أي وسيلة للقيام بالواجب من دعوة الناس وحثهم على الجهاد وإعداد العدة لبناء أمة مجاهدة, بل قد يصل البعض إلى مستوى الاعتقاد بأن النية تكفيه كما يقول السيد العالم المجاهد بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه:


((ومن الناس من يقول: لو كان جهاد لجاهدت، ويظن أن نيته لذلك تكفيه دون أن يعمل لتحصيل الأنصار والقوة؛ بل يكتفي بانتظار اجتماع جيش ذي عدة, ولعل الآخرين مثله، كل منهم ينتظر وينوي أن يجاهد إذا جاء جهاد.


ولعل كثيراً من الناس لو علم وجوب الجهاد وإعداد القوة لاستعد للجهاد ولكن الناس لا يذكرون له الجهاد ولا يأمرونه بالإعداد، فهل الجهاد يأتي الناس وهم قاعدون لا يدعو إليه أحد ولا يستعد له أحدٌ كما يأتيهم شهر رمضان، وشهر الحج، وأوقات الصلاة!!


إذاً فانتظار الجهاد كانتظار الصلاة، أما إذا كان الجهاد لا يكون إلا بالإجتماع له والإعداد له والتداعي إليه والتواصي به والحث عليه والتخويف من الإتكال على الأعذار فإنه يلزم الذين يريدون امتثال أمر الله والقيام بفرضه تحصيل ما لا يتم إلا به، والتماس الأنصار والقوة، والعمل على جلب المحبة والإخاء وتأليف القلوب للقيام بالواجب، وأن يحذروا أن يكونوا كمن أمر بطلوع السطح فقال لا أستطيع ليس عندي سلّم؛ وهو يستطيع التماس السلم والصعود عليه، وليعتبروا بالإمام القاسم بن محمد عليهم السلام في جهاده وصبره ومصابرته حتى انتصر، وكذلك الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وكذلك الناصر الأطروش، وغيرهم من أئمة الهدى عليهم السلام الذين باعوا أنفسهم من الله صادقين)).


 


 إن المسؤولية الجهادية مجالاتها شاملة لما كان داخلا في إطار القدرة لدى الفرد أو الجماعة, فلا بد من بذل الجهد في كل مجال يستطيع الإنسان أن يقدم ما فيه نصرة لدين الله, دون الاكتفاء ببعض طالما وهو قادر على البعض الآخر, فالقرآن الكريم يأمر ببذل النفس والمال والكلمة وكل ما كان بمقدور الإنسان.


 وهذا ما أشار إليه أيضا السيد بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في تفسير قوله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ..الآية}  [البقرة 216 ] يقول في كتاب التيسير في التفسير: ((وهذه الآية وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} ترد على من يمنّي نفسه أن قد قام بفريضة الجهاد؛ لأنه يجاهد نفسه وهو الجهاد الأكبر، أو لأنه يجاهد بقلمه، ويحتج فيما يكتب على بطلان أقوال الكفار، ويدافع عن الإسلام بقلمه ولسانه، وهذا كله وإن كان جهاداً فهو لا يكفي عن بذل النفس في سبيل الله، وإذا صدق في جهاد نفسه فمنه: بيعها من الله وحملها على القتال في سبيل الله، وتعريضها للقتل أو الغلبة؛ للقيام بما فرض الله عليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111])).


ضرورة امتلاك الروحية الجهادية لدى كل فرد في الأمة


الإنسان المؤمن حقا لا بد أن يمتلك الروحية الجهادية وأن يسعى لتنميتها وترسيخها في كيانه, بحيث يصل إلى مستوى الإستعداد الدائم والتأهب المستمر, وحتى في الظروف العادية التي تكون السلطة فيها للمؤمنين ومقاليد الأمور بأيديهم, باعتبارنا أمة مستهدفة لما نحمله من مبادئ وقيم ومنهج يرى فيه الطغاة والمستكبرون خطورة عليهم كونه يهدد مصالحهم ومطامحهم في السيطرة على الأمة ومقدراتها, إذاً.. فامتلاك الروحية الجهادية المبادرة الوثابة الطموحة المرتبطة بالله وهديه أمر ملازم للإيمان, وبدون ذلك يكون الإيمان شكليا بعيدا عن الحقيقة, وفي هذ الصدد يقول السيد الشهيد القائد(رضوان الله عليه):


(( يجب أن تكونوا معدين أنفسكم دائماً ، تكونوا معدين أنفسكم دائماً، لهذا نقول: أنه فيما يتعلق بالتوعية الجهادية، فيما يتعلق بتوجيه الإنسان على أساس القرآن، أن يكون لديه روح جهادية، ليست قضية جديدة، أو قضية غريبة أو قضية فقط ترتبط بوقت من الأوقات، إنها تربية قرآنية دائمة يجب أن يكون المسلمون عليها دائماً، دائماً في أي وضعية كانوا، وفي ظل أي دولة كانوا، في ظل دولة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، يجب أن تكون عندك روح جهادية عالية، في ظل دولة الإمام علي، في ظل أي وضعية كانت، أنها روح دائماً يجب أن تكون موجودة لدى كل فرد في الأمة، لأن الأمة هذه لها أعداء، والأعداء الله أخبر عنهم هكذا{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217).[ الدرس 10 من دروس رمضان]


الجهاد مسؤولية جماعية


قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 35]


كثير هي المفاهيم المغلوطة التي رسخت في واقع الأمة حول موضوع الجهاد في سبيل الله, وكثير هي التعقيدات والشروط والعلل التي وضعت في طريق الجهاد حتى وصلت الأمة – بما تملكه اليوم من قدرات وطاقات وعدد وعدة - وصلت إلى مستوى القناعة باستحالة الجهاد ضد أعدائها الذين يسومونها سوء العذاب! كل ذلك نتيجة للبعد عن المنهج الرباني وتحكيم الرؤى والاجتهادات البعيدة عن ذلك المنهج مما أنتجه علماء السوء ووعاظ السلاطين, أو ضعفاء النفوس والمهزومون نفسيا الذين انعكس ضعفهم على فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم..


وما أجمل ما تناوله الشهيد القائد(رضوان الله عليه) في هذا المجال حيث يقول:


(( تلاحظ في موضوع الجهاد، موضوع إقامة الدين ألم يقل هناك: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}؟ ترى الحديد من أكثر الأشياء توفراً في الأرض بالقياس إلى المعادن الأخرى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: من الآية25). فعندما يقول: {كُونُوا أَنْصَارَاً لِلَّهِ}(الصف: من الآية14) ثم يكون المطلوب في أن تحقق نصراً لله هو أن تبحث عن زئبق أحمر، أو تبحث عن أشياء نادرة جداً جداً! قال هنا: الحديد، والحديد ملان الأرض، وهكذا تقيس عليه الأشياء الأخرى.


هذه نفسها تنسف المفاهيم المغلوطة حول المقدمات لأداء الأوامر الإلهية، العبادات بكلها، لاحظ في الجهاد أليسوا يقدمون لك قائمة من النادرات [ما معنا.. ولا جهدنا.. ولا.. ولا..] إلى آخره؟ أشياء كثيرة، لكن الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الأنفال: من الآية60) ما استطعتم من قوة: ما كان في متناولك، أنت معك لسان عندك قدرة تتكلم تكلم، والكلام، الإعلام، المنطق يعتبر وسيلة هامة جداً من وسائل القوة، أنت عندك إمكانية أن تقاطع امتنع، لا تشتر. هل هي قضية صعبة أنك لا تشتري بضاعة أمريكية أو إسرائيلية؟ الحديد متوفر وفي الغالب تكون المعارك تراها ليست متوقفة على نوع واحد بل أرقى ما وصل إليه الإنسان لحد الآن هي: الأسلحة الذرية، جُمِّدت ما هي جمدت هناك؟ حصل تسابق إلى أن أدى في الأخير إلى تجميدها مكانها)) [الدرس18 رمضان]


 


وحول الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}(البقرة: من الآية169) ووسائل الشيطان في صرف الناس عن الجهاد بطريقة ماكرة وخبيثة.. يضيف الشهيد القائد: (( الشيطان عدو لله سبحانه وتعالى عدو لبني آدم عداوة شديدة مجانب تماماً لطريق الله لا يمتلك إلا شراً لا يمتلك إلا سوءاً، ليس لديه إلا سوء وفحشاء، ليس لديه إلا ضلال {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ} كل ما يأمركم به هو سوء، حتى أحياناً عندما يوسوس لك حالة معينة، يقول لك هو: صلِّ وصم ولا تتدخل في شيء، ألا يمكن أن الشيطان يوسوس بهذه؟ لكن أمره لك، عملية أمره لك، عملية وسوسته لك، هو يوسوس لك بسوء وإن كان يبدو في الصورة وكأنه يقول لك: صلِّ؛ لأنه هل سيقول لك صلِّ فقط؟ يصرفك عن قضية لا تصبح صلاتك مقبولة وأنت تارك لها.


 قد يقولون أحياناً الشيطان قد يوسوس لواحد بحاجة هي من الدين! إذا كانت هذه هو يعرف أنها لا تعطي قيمتها، الشيطان يعرف، هذه ستقعدك عن العملية الهامة عن العمل الهام الذي لا يحول بينك وبين أن تؤدي هذه العبادة.


هل العمل في سبيل الله يحول بينك وبين أن تصلي؟ أبداً لا يحول بينك وبين أن تصلي، عندما يأتي الشيطان يقول لك: صلِّ فقط ولا تتدخل في شيء من بيتك إلى مسجدك ولا دخل لك واهتم بأعمالك وأشغالك، إنه هنا يأمرك بسوء، أي يأمرك بما هو في الأخير وبال عليك وشر عليك، لما يجعل صلاتك هذه لا قيمة لها عند الله، لما يجعلك في الأخير عاصيا لله وأنت تقعد عن عمل هو سنام دينه، الجهاد في سبيله هو ذروة الدين.


إذاً عندما يقول لك تصلي فما المعنى أنه يأمرك لأنه حريص على أنك تصلي ويعجبه أنك تصلي وتتعبد لله! لا، هو يصرفك عن قضية هامة يكون مثلاً كما يقولون: رمى عصفورين بحجر، أول شيء عارف أن صلاتك لم يعد لها قيمة، وثاني شيء صرفك عن أن تنطلق في ذلك العمل الذي هو هام جداً في إقامة دين الله، ولك أنت شخصياً هو العمل الذي يجعل لصلاتك قيمة وله قيمة، للعمل نفسه تكسب أجراً منه ومن صلاتك.))[الدرس 8 رمضان].


 


المسؤولية.. والنظرة الفردية وآثارها السلبية


قلنا قبل قليل: إن كل فرد في الأمة لا بد أن يعلم بأنه مكلف بالجهاد في سبيل الله والعمل لإعلاء كلمة الله بقدر طاقته, إلا أن هذا لا يعني أن ينطلق لخوض غمار الحرب بمفرده بل إن عليه إعداد العدة والسعي لإيجاد متطلبات ذلك, كما أن هناك الكثير من الأعمال الممكنة فرديا, فليسع بما أمكنه فرديًّا ولينضم إلى الجماعة للقيام بالواجب والمسؤولية الجماعية, فلا بد من تقدير الأمور بمقاديرها, كل هذا تفاديا للوقوع في الفهم الخاطئ الذي سقط فيه الكثير من المتدينين وهو أحد أمرين: إما تصور أن عليه القيام بما هو متعلق بالجماعة فيتملكه اليأس باعتبار أن الواجب قد سقط عنه لعدم الاستطاعة.. أو تصور أنه كفرد لا يمكن أن يعمل شيئا وإنما عليه انتظار المجهول حتى يمهد له الطريق, فيتنصل عن ما يمكنه القيام به في الإطار الفردي.


ولقد حصلت أخطاء كبيرة في النظرة لهذا الجانب من قبل الكثير الفقهاء والمفسرين ممن خلطوا بين الجانبين, ورأوا أن الواجب الجهادي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب فري بحت, دونما نظر إلى المسألة من منظورها القرآني الصحيح, مما ولد اليأس لدي الفرد المسلم أن بمقدوره أن يكون له أي تأثير في الواقع, وهذا ما تناوله الشهيد القائد في كثير من محاضراته موضحا خطأ هذه النظرة وانعكاساتها السلبية على واقع الأمة فيقول: (( حَوَّلوا المسألة إلى مسألة فردية: [أنت يجب عليك شخصياً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر], متى؟ قال: [متى ما امتلكت القدرة أو ظنيت التأثير! ما لم فما عليك].


فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى في الأخير نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً هو، فيقول: إذاً ارتفع الوجوب عني، إذاً أنا لا أستطيع، والثاني مثلي، والثالث مثلي، والرابع مثلي، وهكذا.


ناسين أن القرآن, أن الله سبحانه وتعالى يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى - وهو الشيء الطبيعي والغالب - إلا بأن يكون الناس يتحركون بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة قادرة حينئذٍ عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحداً، عندما يكون منهجهم قائماً على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر.


لكن وتعال فيما بعد طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد تقول له: واجب عليك إذا استطعت، ما تستطيع أنت شخصياً ما عليك.. فعزلت أنت هذا ثم تعزل الثاني بعده والثالث بعده حتى تخرج من آخر الصف وما أحد يستطيع ستجد كل واحد يقول: والله أنا ما أستطيع أنا خلاص ارتفع الوجوب عني ولي عذري عند الله!...))


نعم.. نحن اليوم في مواجهة عدوان غاشم ظالم, والجهاد اليوم قائم, ويستطيع كل فرد منا أن يقدم شيئا فكل شيء مطلوب ومقبول مهما كان, لو لم يمتلك الإنسان إلا اللسان فليتكلم, كما أن الدورات بمختلف أنواعها قائمة في المجال الثقافي والعسكري وغير ذلك, فلم يبق هناك عذر لأحد في القيام بالواجب, كما أن العدوان بطبيعته ووحشيته وهمجيته فيه ما يستفز الإنسان ويحرك فيه الحمية والنخوة والعزة ويهز الضمير ويدفع للانطلاق والتحرك. نسأل الله أن يوفقنا للجهاد في سبيله, وأن ينصرنا على أعداء الإسلام والمسلمين.. والحمد لله رب العالمين.




اسلاميات



Yorumlar

To know all new

Unlimited Excellence
close