جحا.. الأسطورة العربية الساخرة المأخوذة عن شخصية حقيقية
لجأ الأدباء إلى الرمز فى الأدب العربي، وكان من أكثر الشخصيات التى تم استخدامها واستغلالها فى القص هي شخصية “جحا” لما يمثله من قبول واهتمام خاصة عند محبي قراءة الأدب الساخر..
لكن غفل كثير من الأدباء والباحثين على ذكر أن “جحا” شخصية حقيقية تاريخية، فى هذه المقالة سنتعرف على جحا عن قرب، ونستمتع ببعض أقواله الساخرة.
هل يوجد في الأدب جحاوان؟
يوجد شخصيتان فى الأدب عرفا باسم “جحا” إحداهما العربي والآخر التركي، “جحا العربي” فهو الأسبق تاريخياً، أما “جحا التركي” فهو الشيخ نصر الدين خوجه الرومي الذي عاش رحالة فى بلاد الأناضول خلال القرن السابع الهجري.
فمن هو جحا العربي؟
ذكر “جحا” لأول مرة كشخصية ساخرة فى الأدب فى كتاب “القول فى البغال” للجاحظ المتوفى سنة 225ه، أما عن الفترة التي عاش فيها فقد ورد فى كتاب “نثر الدرر” لمنصور بن الحسين بعض النوادر المنسوبة لـ”جحا”، والتي تأكد أنه عاش فى أواخر الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية.
أما عن نسبه وكنيته فورد فى كتاب “مجمع الأمثال” لإبراهيم الميداني، أكد أنه من قبيلة فزارة العربية وأن كنيته أبو الغصن، أما عن اسمه فورد في كتاب “حياة الحيوان الكبرى” لكمال الدين الدميري أن جحا هو “دجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي البصري”، وأن أمه كانت خادمة فى بيت الصحابي أنس بن مالك.
ما هي سمات جحا العربي؟
اتسمت شخصية”جحا” بالذكاء الشديد، فطن، سريعة البديهة، صاحب رؤى ورؤية، صافي القلب لا يحمل حقد لأي شخص، حتى وإن أظهر عكس ذلك من تغابي وحماقة مع من حوله، فهو عاشق للسخرية والفكاهة فى تناول ما يحدث حوله وفى إبداء رأيه.
نوادر جحا.. عن السياسة والحياة والناس
مر به يوماً عيسى بن موسى الهاشمي، وهو يحفر بظهر الكوفة موضعا فقال له: ما بالك يا أبا الغصن؟ لأي شيء تحفر؟ فقـال: إنـى دفـنـت فـى هذه الصحراء دراهم، ولست أهتدي إلـى مـكـانـهـا..
فـقـال لـه عـيـسـى: كـان ينبغي أن تجعل عليها علامة، قال جحا: لقد فعلت، قال: ماذا؟ قال: سحابة فى السماء كانت تظلها ولست أدري موضع العلامة الآن.
يحكى أنه ورث نصف بيت عن أبيه فقال: أريد أن أبيـع حـصـتـي مـن البيت واشـتـرى الباقي فيصبح البيت كله لى.
ضاع من جحا خام من الذهب فى الطريق وكان الظلام شديداً في الشارع، فلم يستطع أن يبحث عنه، فلما حضر إلى بيته أخذ يلف ويدور فى الحجرات ويبحث عن الخاتم، فقالت له زوجته: عن أي شيء تبحث يا جحـا؟
فـقـال: أبحث عن الخاتم، فقالت: وهل ضاع منك هنا؟ فقـال: لا بـل فـي الـشـارع، فقالت: إذا كان الخاتم قد ضاع منك في الشارع، فكيف تبحث عـنـه هـنـا، فقال جحا: الشارع مظلم ولكن البيت فيه نور.
اتفق جماعة من أفراد الحاشية الملكية أن يـأخـذوا جـحـا إلـى قـصـر الملك ليضحكوا عليه الملك -كان جحا ند�يماً للملك- فأخذ كل منهم بيضة فلما صاروا أمام الملك، قالوا: تعالوا نبض، ومن لم يبض فعليه أجرة الحمام..
فصار كل واحد منهم يصيح مثل الدجاجة ويخرج من تحـتـه بـيـضـة، حتى جاء الدور على جحا، فصاح ودار حولهم مثل الديك، فقال له الملك: ما هذا يا جحا؟ فأجابه: أفلا يكون لجماعة الدجاج ديك واحد!
شب حريق يوما في دار جحا، فجاء أحد جيرانه، وقال له: أسرع فإن داركم تحترق، وقد طرقت الباب كثيراً ولم يرد أحد، فأجاب جحا ببرود: يا أخي إنني قسمت الأمور بيني وبين زوجتي قسمين: أنا علي أن اجتهد في الخارج، وهى عليها أن تدبر شؤون البيت، فاذهب إليها وأخبرها بالحريـق لأنها هى المختصة بالشؤون الداخلية.
غضبت زوجة جحا فى يوم، فقالت له: ابتعد عني، فلبس حذاءه وخرج من البيت ومشى مسافة طويلة حتى وصل إلى نهاية البلدة، فقابله جار له على حمار، فقال له جحا: إذا وصلت بسلامة اللـه إلى البيت فقل لزوجتي: هل تريدين أن يبتعد زوجك عنك أكثر �مما ابتعد.
سألني أحد أصدقائي: هل لك أن تتزوج يا جحا؟ قلت: لو استطعـت لطلقت نفسي.
سئل ابن جحا: ما هو الباذنجان؟ فقال: هو ولد الجاموسـة الـذى لـم يفتح عينيه بعد، فصاح أبوه متعجباً: إنه ابني حقاً، واللـه ما علمه أحد هذا الجواب السديد.
يحكى أن جحا كان قاضياً، فحضرت أمـامـه امـرأة عـجـوز شـاهـدة فـى قـضـيـة فأمرها جحا أن تقسم اليمين فقالت العجوز: واللـه العظيم أقول الحق، فسألها جحا: كم عمرك؟ فقالت العجوز: إذا كنت ستسألني عن عمري، فلم تأمرني أن أقسم باللـه العظيم.
وقع أحد الناس مغشياً عليه، فغسلوه وكفنوه وحملوه إلى النعش وساروا به، وفى الطريق أفاق الرجل وصاح: أنا حي لم أمت، خلصنى يا جحا، فقال جحا: عجباً، أأصدقك وأكذب كل هؤلاء المشيعين.
مرت بجحا-يوماً-جنازة ومعه ابنه، وفـى الجـنـازة امـرأة تـبـكـي وتـقـول مخاطبة زوجها الميت: الآن يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا غطاء ولا وطاء ولا خبز ولا ماء،فقال ابنه: يا أبي إلى بيتنا واللـه يذهبون.
صعد جحا يوما على المنبر يعظ فى الناس قائلا: أيها الناس اعلموا أن هواء بلدكم مثل هواء بلدنا، فقالو له: ومن أين عرفت يا جحا، فقال: أن النجوم التى كنت أراها فى بلدنا، أرى مثلها فى بلدكم، فعرفت أن هواء بلدكم مثل هواء بلدنا.
اشتهر جحا بالعلم والأدب فقدم له شخص دينارين ليقول له كلمة واحدة من أدبه وعلمه، فأخذ النقود ووضعها فى جيبه قائلاً: أشكرك..
Yorumlar
Yorum Gönder