عودة طالبان الى حكم افغانستان من الخاسر ومن الرابح؟
في العام ٢٠٠١م بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الدمويه والتي تبناها تنظيم القاعده بقيادة بن لادن منطلقة من أفغانستان طالبان الولايات المتحده عقدة العزم على إستئصال الإرهاب من جذوره كما قال آنها الرئيس الأمريكي جودج دبليو بوش. قادة الولايات المتحده الأمريكيه تحالف دولي تدخل عسكريا وازاح طالبان من السلطه وعمل على إعادة تأهيل أفغانستان لتندمج بالمجتمع الدولي بعيدا عن إيذائه ، وبالفعل تم التدخل وتم إزاحة طالبان عن الحكم وطرد القاعده من أفغانستان التي فر من نجاء من الأسر والقتل من قادتها وأعضائها الى البلدان المجاوره وبالذات باكستان وإيران حتى تم في العام ٢٠٠٧م القضاء على قائد ها أسامه بن لادن وملاحقة آخرون وحتى اليوم. لست معني الآن بسرد ما حصل في جوانتانامو وغير ذلك من الأحداث التي رافقت سقوط طالبان حينها بل الموضوع الأهم هو ما يحصل حاليا في أفغانستان وعودة طالبان الى الحكم وفتح صفحه جديده من التاريخ الأفغاني وتاريخ المنطقة المرتبط بهذه التطورات.
بعد عشرون عام من الوجود الأمريكي وحلفائه في الناتو في أفغانستان وتشكيل قياده افغانيه جديده مدعومه منهم بشكل غير مسبوق هدفها أعادة تآهيل أفغانستان لكي تندمج في المجتمع الدولي وتكف عن تصدير الإرهاب للعالم ولجيرانها وتبداء بتحريك عجلة التنميه في البلاد كون الفقر والعوز هما سببان رئيسيان لإنتشار التطرف والإرهاب. طالبان بحكم عقيدتها المتشدده وإحتضانها لتنظيم القاعده الدولي شكلة قلق دائم لجيرانها من الدول الإسلاميه مثل إيران ودول آسياء الوسطى ودول شبه الجزيره العربيه والخليج والعراق وسوريا ولبنان والأردن والدول العربيه في شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء الكبرى والقرن الأفريقي وكذلك الهند والصين وروسياء بشكل مباشر كونها تدعم آو تتحالف مع حركات إسلاميه متشدده فيها ،وبشكل غير مباشر للدول الإفريقيه الأخرى وبقية دول العالم عدى الولايات المتحده الأمريكيه و معظم دول آوروبا التي كانت عدوا معلنا ومستهدفا من قبل التنظيم بإعتبارهم رأس الأفعى التي تتربص بالمسلمين .
عشرون عام والولايات المتحده الأمريكيه وحلفائها في الناتو وخارجه يستثمرون في إعادة بناء مؤسسات الجيش والأمن الأفغانية وفي كل مؤسسات الدوله المدنيه من خدميه وقضائيه وتنمويه وغيرها وها هيا طالبان تعود للسلطه وقوات الحلفاء تنسحب مخلفة ورائها أجهزه أمنيه وعسكريه كثيفة العدد جيدة التدريب والتسليح تساندها مليشيات قبليه تتساقط مثل احجار الشطرنج امام زحف جموع طلبان فأين يكمن الخطاء؟ ولماذا تنسحب الولايات المتحدة الأمريكيه وحلفائها والتضحيه بما حققاه على الأرض الأفغانيه وضياع إستثمارهم السياسي والعسكري في النظام ما بعد طالبان؟ وهل عشرون عام من إعادة بناء مؤسسات الدوله العسكريه والأمنيه والمدنيه كانت غير كافيه؟
من الواضح أن الولايات المتحده الأمريكيه أستوعبت الدرس في أفغانستان تماما كما استوعبه البريطانيون والسوفيت سابقا بأن المجتمع الأفغاني مجتمع قبلي متدين معقد التركيبه وصعب إدارته أو كسب وده لأنه يعتبر الأجنبي محتل وعليه لا يجوز الأستمرار في الصراع المباشر معه سيما وقد تحقق الهدف بعد أحداث سبتمبر ٢٠١١م وتم إضعاف تنظيم القاعده وقتل وأسر ومحاكمة العديد من قاعدته وأعضائه وإزاحة طلبان من الحكم آنها وتقليل خطرهما على الأمن القومي الأمريكي والأوروبي الى الحد الأدني وأيضا المجتمع الأمريكي أصبح متقبلا لهذه النتيجه بعد هذه السنوات الطوال من البقاء هناك.
بماان المستفيد الأكبر إقليميًا من سقوط طالبان ٢٠٠١م هي أيران التي كانت على خصومه معها فقد يشكل عودة طالبان هاجس امني لها لا يمكن تجاهله وكذلك دول وسط آسيا حليفة موسكو والصين والهند وهما على غير إنسجام مع السياسه الامريكيه بل ويناصبانها العداء مثل أيران وحلفائها أو منافسين سياسيا وإقتصاديا وعسكريا مثل روسيا والصين ومن يسير في فلكهما (الهند لها خصوصيتها)فإن عودة طالبان الى الحكم سيربك المشهد السياسي والأمني في هذه الدول الأمر الذي يجعلها أمام وضع لا يمكن تجاهله بعد شهر العسل الذي دام عشرون عاما على عاتق الولايات المتحده الأمريكيه وحلفائها في الناتو. هم اليوم أمام أستحقاقات جديده لا يمكن تجاهلها أبدا وخاصة أن تأثيرات عودة طلبان الى الحكم إذا ما أستمرت على عقيدتها الجهاديه ولو جزئيا ستنعش حركات مشابههة في وسط آسياء والباكستان وكشمير وإقليم الأيغور في الصين وهو الأمر الذي يربك مشاريع إستراتيجيه إقتصاديه مثل طريق الحرير ويدفع ببلدان مثل روسياء والصين وإيران الى تعديل سياستها الأمنيه وهو الأمر الذي سيفرض عليها نفقات جديده على حساب مشاريع التنميه والتعافي الإقتصادي وكذلك سيخلق معطيات جديده تعيد تشكيل التحالفات الإقليميه.
لا شك بأن الإداره الأمريكيه لديها تقييم شامل للمرحله التي قضتها في أفغانستان وأنها أختارت كما يقال أهون الشرين ولكن إن نشبت هناك حرائق فسوف يكتوي بها أولائك المتفرجون والمتشفيون أيضاأما البقاء في بلد مضطرب إلى ما لا نهاية فهو أمر غير منطقي ولا يمكن القبول به في ظل تراخي وطني من الحلفاء الداخليين وعدم قدرتهم على كسب الشارع الشعبي خلفهم نتيجة للفساد المستشري فيهم وانتزاع الثقة منهم.
التدخل الخارجي في معظم الحالات فشل في التأسيس لسلام مجتمعي داخلي بل يزيد من الإحتقان السياسي والغضب الشعبي ويربك المسرح السياسي في البلد ويؤجل إستحقاقات التغيير الداخلي القائم على جهود القوى السياسيه والمجتمعيه الوطنيه النابع من حاجه جماهيريه ويمتلك قوه محركه تحميه وتعمل على تنفيذه.
Yorumlar
Yorum Gönder